فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (16)}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {إنما تعبدون من دون الله أوثانا} قال: أصناما {وتخلقون إفكا} قال: تصنعون أصناما.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الحسن في قوله: {وتخلقون إفكا} قال: تنحتون.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وتخلقون إفكا} قال: تصنعون كذبا.
وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد، مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده} قال: يبعثه. وفي قوله: {فانظروا كيف بدأ الخلق} قال: خلق السموات والأرض {ثم الله ينشئ النشأة الآخرة} قال: البعث بعد الموت. وفي قوله: {فما كان جواب قومه} قال: قوم إبراهيم. وفي قوله: {فأنجاه الله من النار} قال: قال كعب ما أحرقت النار منه إلا وثاقه. وفي قوله: {قال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا} قال: اتخذوها لثوابها في الحياة الدنيا {ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا} قال: صارت كل خلة في الدنيا عداوة على أهلها يوم القيامة إلا خلة المتقين. وفي قوله: {فآمن له لوط} قال: فصدقة لوط {وقال إني مهاجر إلى ربي} قال: هاجرا جميعا من كوثي: وهي من سواد الكوفة إلى الشام. وفي قوله: {وآتيناه أجره في الدنيا} قال: عافية وعملا صالحا وثناء حسنا، فلست تلقى أحدا من أهل الملل إلا يرضى إبراهيم يتولاه.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود رضي الله عنه أنه قرأ: {وتخلقون افكا} خفيفتين وقرأ: {اوثانا مودة} منصوبة منونة {بينكم} نصب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن جبلة بن سحيم قال: سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن صلاة المريض على العود قال: لا آمركم أن تتخذوا من دون الله أوثانا. إن استطعت أن تصلي قائما، وإلا فقاعدا، وإلا فمضطجعا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {النشأة الآخرة} قال: هي الحياة بعد الموت: وهو النشور.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فآمن له لوط} قال: صدق لوط إبراهيم عليهما السلام.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {وقال إني مهاجر إلى ربي} قال: هو إبراهيم عليه السلام القائل إني مهاجر إلى ربي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب رضي الله عنه في قوله: {وقال إني مهاجر إلى ربي} قال: إلى حران.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج، مثله.
وأخرج ابن عساكر عن قتادة في قوله: {وقال إني مهاجر إلى ربي} قال: إلى الشام كان مهاجر.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «سيهاجر خيار أهل الأرض هجرة بعد هجرة إلى مهاجر إبراهيم عليه السلام».
وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: أول من هاجر من المسلمين إلى الحبشة بأهله عثمان بن عفان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صحبهما الله إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط».
وأخرج ابن منده وابن عساكر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: هاجر عثمان إلى الحبشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه أول من هاجر بعد إبراهيم ولوط».
وأخرج ابن عساكر والطبراني والحاكم في الكنى عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كان بين عثمان ورقية وبين لوط من مهاجر».
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أول من هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان كما هاجر لوط إلى إبراهيم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب} قال: هما ولدا إبراهيم. وفي قوله: {وآتيناه أجره في الدنيا} قال: إن الله رضي أهل الأديان بدينه، فليس من أهل دين إلا وهم يتولون إبراهيم ويرضون به.
وأخرج ابن ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وآتيناه أجره في الدنيا} قال: الثناء.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {وآتيناه أجره في الدنيا} قال: الولد الصالح والثناء. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {فما كان جواب قومه} العامة على نصبه. والحسن وسالم الأفطس برفعه. وقد تقدم تحقيق هذا.
قوله: {إنما اتخذتم} في {ما} هذه ثلاثة أوجه، أحدها: أنها موصولة بمعنى الذي، والعائد محذوف، وهو المفعول الأول. و{أوثانا} مفعول ثان. والخبر {مودة} في قراءة من رفع كما سيأتي. والتقدير: إن الذي اتخذتموه أوثانا مودة، أي: ذو مودة، أو جعل نفس المودة، ومحذوف على قراءة من نصب {مودة} أي: إن الذي اتخذتموه أوثانا لأجل المودة لا ينفعكم، أو {يكون عليكم} لدلالة قوله: {ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض}.
الثاني: أن تجعل {ما} كافة، و{أوثانا} مفعول به. والاتخاذ هنا متعد لواحد، أو لاثنين، والثاني، هو {من دون الله} فمن رفع {مودة} كانت خبر مبتدأ مضمر. أي: هي مودة، أي: ذات مودة، أو جعلت نفس المودة مبالغة. والجملة حينئذ صفة ل {أوثانا} أو مستأنفة. ومن نصب كانت مفعولا له، أو بإضمار أعني.
الثالث: أن تجعل {ما} مصدرية، وحينئذ يجوز أن يقدر مضافا من الأول أي: إن سبب اتخاذكم أوثانا مودة، فيمن رفع {مودة}. ويجوز أن لا يقدر، بل يجعل نفس الاتخاذ هو المودة مبالغة. وفي قراءة من نصب يكون الخبر محذوفا، على ما مر في الوجه الأول.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي برفع {مودة} غير منونة وجر {بينكم}. ونافع وابن عامر وأبو بكر بنصب {مودة} منونة ونصب {بينكم}. وحمزة وحفص بنصب {مودة} غير منونة وجر {بينكم}. فالرفع قد تقدم. والنصب أيضا تقدم فيه وجهان، ويجوز وجه ثالث، وهو أن تجعل مفعولا ثانيا على المبالغة، والإضافة للاتساع في الظرف كقولهم:
يا سارق الليلة أهل الدار

ومن نصبه فعلى أصله. ونقل عن عاصم أنه رفع {مودة} غير منونة ونصب {بينكم}. وخرجت على إضافة {مودة} للظرف، وإنما بني لإضافته إلى غير متمكن كقراءة {لقد تقطع بينكم} [الأنعام: 94] بالفتح إذا جعلنا {بينكم} فاعلا.
وأما {في الحياة} ففيه أوجه:
أحدها: أنه هو و{بينكم} متعلقان ب {مودة} إذا نونت. وجاز تعلقهما بعامل واحد لاختلافهما. الثاني: أن يتعلقا بمحذوف على أنهما صفتان ل {مودة}.
الثالث: أن يتعلق {بينكم} بمودة. و{في الحياة} صفة ل {مودة}. ولا يجوز العكس لئلا يلزم إعمال المصدر الموصوف. والفرق بينه وبين الأول أن الأول عمل فيه المصدر قبل أن يوصف، وهذا عمل فيه بعد أن وصف.
على أن ابن عطية جوز ذلك هو وغيره وكأنهم اتسعوا في الظرف. فهذا وجه رابع.
الخامس: أن يتعلق {في الحياة} بنفس {بينكم} لأنه بمعنى الفعل، إذ التقدير: اجتماعكم ووصلكم. السادس: أن يكون حالا من نفس {بينكم}.
السابع: أن يكون {بينكم} صفة ل {مودة}. و{في الحياة} حال من الضمير المستكن فيه.
الثامن: أن يتعلق {في الحياة} ب {اتخذتم} على أن تكون {ما} كافة و{مودة} منصوبة. قال أبو البقاء: لئلا يؤدي إلى الفصل بين الموصول وما في الصلة بالخبر. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} [العنكبوت: 24] وورد بعد هذا: {خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين} [العنكبوت: 44] فأفرد هنا آية وجمع في الأولى فقال: {الآيات} مع أن هذه الثانية أعظم: قال تعالى: {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} [غافر: 57] فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟
والجواب عنه والله أعلم: أن الإشارة في الآية الأولى بقوله: {إن في ذلك لآيات} ليست لقصة إبراهيم عليه السلام وإنجائه من النار فقط بل الإشارة لمجموع معتبرات منها لبث نوح عليه السلام في قوله ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله ويريهم الآيات فما آمن معه إلا قليل ومنها آية أخذهم بالطوفان وتعميم الغرق لجميع أهل الأرض ومنها إنجاء أهل السفينة وجعلها آية للعالمين ومنها ما أحيلوا عليه من الاعتبار بمن قبلهم في قوله: {وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم} [العنكبوت: 18] ومنها دعاء إبراهيم عليه السلام وعظيم بيانه وما استجر دعاؤه إياهم من الآيات والبراهين على نبوته ومنها ما أيلوا عليه آخر الآيات في قوله: {أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده} [العنكبوت: 19] فلما تقدم تفصيل الآيات ورد التنبيه بالإشارة إلى جميعها فقيل: {إن في ذلك لآيات}.
أما قوله في الآية الأخرى: {إن في ذلك لآية} فالإشارة إلى المصدر وهو الخلق المفهوم من قوله: {خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية} كما ورد في قوله تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8] فالضمير للمصدر وهو العدل المفهوم من وقله: {اعدلوا} وهذا جار في الضمير واسم الإشارة ومتردد في كلام العرب فكل من الآيتين على ما يجب. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون (24)}.
لما عجزوا عن جوابه ولم يساعدهم التوفيق بالإجابة أخذوا في معارضته بالتهديد والوعيد، والسفاهة والتوبيخ، والله تعالى صرف عنه كيدهم، وكفاه مكرهم، وأفلج عليهم حجته، وأظهر للكافة عجزهم، وأخبر عما يلحقهم في مآلهم من استحقاق اللعن والطرد، وفنون الهوان والخزي.
{فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم (26)}.
لا تصح الهجرة إلى الله إلا بالتبري- بالكمال- بالقلب عن غير الله. والهجرة بالنفس يسيرة بالإضافة إلى الهجرة بالقلب- وهي هجرة الخواص؛ وهي الخروج عن أوطان التفرقة إلى ساحات الجمع. والجمع بين التعريج في أوطان التفرقة والكون في مشاهد الجمع متناف.
{ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين (27)}.
لما لم يجب قومه، وبذل لهم النصح، ولم يدخر عنهم شيئا من الشفقة- حقق الله مراده في نسله، فوهب له أولاده، وبارك فيهم، وجعل في ذريته الكتاب، والنبوة، واستخلصهم للخيرات حتى صلحت أعمالهم للقبول، وأحوالهم للإقبال عليها، ونفوسهم للقيام بعبادته، وأسرارهم لمشاهدته، وقلوبهم لمعرفته.
{وإنه في الأخرة لمن الصالحين} للدنو والزلفة والتخصيص بالقربة. اهـ.